عن حب المنتِج والمنتَج

حب شخصية عامة حاجة مركبة ومعقدة بيتداخل فيها الاحترام مع الإعجاب مع التقدير والحب. الواحد نادرا ما بيحب شخصية عامة زي فرقة أو ممثل عشان بيحب المنتج اللي بيقدموه وبس. وده لإننا بنحس فنفسنا اننا مبنقدرش نفصل تماما عن الواقع، فبنحس ان كمان مفيش بني آدم بيقدر يفصل تماما عن كل اللي حواليه ويقدم منتج ما منفصل عن الواقع بتاعه.

وطبعا لو المنتَج ده قاصد يتعامل مع الواقع ويقدم وجهة نظر عنه، زي فيلم بيتكلم عن قضية، أو أغنية بتغني عن واقع، واحنا حبينا الفيلم أو الأغنية دي، بنحب الناس اللي أنتجتهم، وبنربطهم بيهم وبالقضية/الموضوع.

كمان لما الشخصية العامة تكون عايشة واقعنا، وبتتعامل معاه بشكل معين احنا حابينه، وبتاخد مواقف احنا حابينها، بيزيد حبنا ليهم تعقيد وتركيب، وبيختلط فيه الاحترام للموقف، مع التقدير لشجاعتهم فأخذ الموقف، مع حب تشابههم معانا، مع حب منتجاتهم نفسها.

عشان كده أحيانا تلاقي ناس محبوبة وليها معجبين كتير رغم ان الحاجات اللي بينتجوها أقل من مستوى حاجات ناس تانية بتنتجها ومبتاخدش نفس الحب. رغم ان مستوى الحاجات التانية دي ممكن يكون أعلى فنيا. وده بسبب ان الحب ده مش بس حب فني، ده حب مركب، معقد، له تاريخ وعلاقة طويلة.

العلاقة المركبة دي بتخلي المحبين، اللي هم احنا، يحطوا معايير ملهاش علاقة بالمنتج اللي بيتقدملها من الشخصية دي. فالمغني يتحطله معايير ملهاش دعوة بالأغنية اللي بيقدمها. والممثل يتحطله معايير ملهاش علاقة بتمثيله. والمخرج والأديب كذلك.

المعايير دي وان كان ملهاش علاقة بالمنتج المقدم، هي ليها علاقة وثيقة بالتاريخ المشترك مابين الشخصية ومعجبيها. بتتكون رابطة أقوى من المنتج وجودته، وأعمق من احساس الاستمتاع والرضا اللي بييجي من استهلاك المنتج.

فعلى سبيل المثال الفج، الأديب اللي بنى قاعدة جماهيره من مناصري القضية الفلسطينية، لما يتجوز صهيونية معروفة بعدائها لفلسطين والفلسطينيين، ومستمرة فيه، طبيعي يتوقع غضب جماهيره، ومقاطعتهم ليه كمان. رغم ان الزواج ده أمر شخصي جدا، وملهوش علاقة باللي بيكتبه وبيقدمه.

والمغني اللي بنى قاعدة جماهيره من الشباب المحب لبلده المقهور فيها، وبيحارب اليأس والاحباط فيها، لو المغني طلّع أغنية بتمدح دكتاتور بيقهرهم وبيزود احباطهم ويأسهم، وبتدعو لإعادة انتخابه، طبيعي يغضبوا على المغني ويعلنوا الغضب ده. حتى لو الأغنية رائعة ومبهرة، فنيا.

النتيجة مش حتختلف لو الأديب كان مجبر على الزواج ده، والمغني مجبر على إصدار الأغنية دي. وده لإن المحبين عارفين ان المغني والأديب كانوا عارفين النتيجة. واختاروا التضحية بالمحب اللي كون معاهم رابطة عميقة وتاريخية، على انهم يخسروا المعجبين الآخرين.

هنا الرابطة اتكسرت.

ده مش معناه نهاية المغني والأديب. لسة للأديب محبين بيحبوه لأدبه بس، وللمغني معجبين بفنه وبس، ودول مش حيفرق معاهم تعامله مع واقع وموقف معين. هم بيحبوه لأسباب استهلاكية، أسباب جميلة مفيهاش تعقيد ولا تركيب ولا توقعات ولا معايير غير جودة المنتج اللي بيتقدم منه. المنتج اللي بيعجبهم بيستهلكوه، واللي مش بيعجبهم مش بيستهلكوه.

في النهاية، في رأيي ان عملية تكوين الروابط دي جزء من طبيعتنا التلقائية، وحتفضل جزء منها. ولما بنحاول نتغلب عليها بيبقى بشكل واعي ومقصود، يعني بنخلي نفسنا غصب عننا نحاول نفصل ما بين حبنا للمنتج اللي بيقدمه الشخص، ومابين الشخص نفسه وتصرفاته واختياراته. ساعات بننجح، وساعات بنتأثر وبنستجيب لبحثنا عن القيم والجمال والاتساق، والناس اللي شبهنا، وبيتبنوا قيم شبه قيمنا، وبنبني روابط تاني.

وبنحب وكده.


A great man once said...